في غمرة الانشغال بجائحة كورونا وتداعياتها، ووسط الجهود المحمومة لمواجهتها، تعود مرة أخرى تحركات المصالحة الخليجية، حيث يغادر وزير الخارجية الكويتي إلى الدوحة حاملاً رسالة الوساطة الكويتية في هذه الظروف العصيبة التي فرضت تعطيل كل المشاريع السياسية.

ليست هذه المرة الأولى التي تبذل فيها جهود المصالحة، فقد وصلت في مرات سابقة إلى مراحل متقدمة، لكن لم يكتب لها النجاح، وعادت إلى نقطة البداية، والآن نجد أنفسنا أمام فرصة أخرى في ظروف صعبة فرضها الوباء على الجميع، والتي لم يسلم من تداعياتها أحد، وأهمها الآثار الاقتصادية التي طالت عصب الاقتصاد الخليجي المتمثل بالنفط، وهو ما يستلزم تجاوز حالة القطيعة العبثية، بعد أن وصلت التهديدات إلى شريان الوجود الخليجي.

على الرغم من عدم وجود أي مقدمات للمصالحة فالتراشق الإعلامي في مداه الأعلى، والرؤى في الملفات الخارجية ما زالت متعارضة، بل متصادمة، إلا أن هناك معطيات جديدة ربما دخلت في المعادلة.

فلا يمكن غض الطرف عما ذكرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية من أن السلطات الأمريكية تقوم بسحب أنظمة “باتريوت” الدفاعية من المملكة العربية السعودية.. إضافة إلى التوتر الذي سبق ذلك بين الولايات المتحدة والمملكة، بسبب الآثار المترتبة على حرب الأسعار مع روسيا.

كذلك نتذكر في ذات السياق المكالمة التي أجراها الرئيس الأمريكي مع ولي عهد أبوظبي قبل أسبوعين، وشجع فيها على “اتخاذ خطوات نحو حل الصدع في الخليج؛ بحل الأزمة الخليجية، من أجل العمل معاً على القضاء على فيروس كورونا وتقليل أثره الاقتصادي، والتركيز على القضايا الإقليمية الحاسمة”، حسب ما أعلن البيت الأبيض، مع ضرورة الانتباه جيداً إلى كون الأزمة الخليجية لم تعد على رأس جدول أعمال أحد من أطراف القضية، فالعالم مشغول بأزماته وكوارثه التي لم يتضح أثرها الحقيقي بعد.

عند قراءة عودة تحركات المصالحة في ضوء المعطيات السابقة، يتضح أن عامل الضغط الخارجي، والأمريكي تحديداً، هو العنصر الأكثر تأثيراً في هذا الملف، فهذه المساعي- إن صحت- غير نابعة بالضرورة من رغبة جادة لدى جميع أطراف الأزمة بإنهائها.

كما أن الضغط الأمريكي كان- وما زال- لا يتسم بالجدية الكافية، فالمصالحة الخليجية بالنسبة إلى ترامب لا تعدو أن تكون ورقة ضغط للمساومة والابتزاز، وتحقيق المكاسب المالية، وليست مسألة استراتيجية عند الإدارة الحالية، وهذا ما أدركته الأطراف الخليجية التي صارت تتعامل مع هذه الضغوط بطريقة تبرئة الذمة، وهذا يعني أن أي تقدم في هذه القضية إنما يسير على أرضية هشة، ويجعل من العودة إلى نقطة الصفر مسألة سهلة وواردة جداً في أي لحظة، وبحسب تغير المزاج والمصلحة الآنية للضاغط الأمريكي.

Scroll to Top