هناك شعور عام يلف المنطقة بأن الأجواء مهيأة لإمكانية تحقيق اختراق في العلاقات السعودية الإيرانية عبر فتح قنوات التواصل والحوار والجلوس على طاولة المفاوضات، والبدء بحلحلة الملفات العالقة بين البلدين، هذا الشعور ترجمته عدة أطرف من خلال إبداء الرغبة في رعاية المحادثات، منها قطر وروسيا والكويت.

الدافع الأكبر لذلك الشعور هو التغير في الإدارة الأمريكية، فمجيء بايدن الذي تعهد بالعمل على إحياء الاتفاق النووي مع طهران، ورحيل ترامب الذي خلط أوراق المنطقة، ونفخ في نار الأزمة الخليجية، واتخذ من التصعيد تجاه إيران مادة للتكسب والتربح إرضاء للجانب الإسرائيلي وحلفائه الجدد في المنطقة، ذلك ما دفع مختلف الأطراف لاستشعار ضرورة البدء بالحوار، كما أن تحقيق المصالحة الخليجية منح الجميع شعوراً بالارتياح والتقاط الأنفاس، مما يشجع على تكرار التجربة مع أطراف أخرى لتحقيق انفراجات متعددة على جبهات مختلفة.

هناك ترحيب -بل رغبة حقيقية- لدى الجانب الإيراني بالحوار، لكن ليس في الأفق ما يشير إلى استعداد طهران لتقديم أي تنازلات أو مبادرات حسن نية تجعل الطرف الآخر يتقدم خطوة نحو الحوار، فما زالت صواريخ الحوثيين تستهدف المملكة العربية السعودية، ولا تبدو أي رغبة لدى الإيرانيين بالتخلي عن أي مكسب من أجل تحقيق تقارب أو تصالح مع الخليج.. فهم يبحثون عن مصالحة مجانية، بل يعيشون حالة من إنكار الواقع تجسدت في حديث الناطق باسم الخارجية الإيرانية عن “مخاوف وهمية من إيران لدى السعودية”! ولا أدري إن كان الحضور الإيراني في أربع عواصم عربية وهماً أم حقيقة ماثلة للعيان؟!

من المؤكد أن كلا الطرفين يحمل مخاوف تجاه الآخر، وهي حقيقية وليست متوهمة، لكن مثل هذه المخاوف لن تزول، بل قد تتعاظم إذا لم تجمعهم طاولة واحدة، تُطرح عليها كل المخاوف والملفات الخلافية، فخفض التصعيد في المنطقة، وتهدئة التوترات بين مختلف الأطراف يصب في مصلح الجميع.

ربما تكون “صنعاء” هي كلمة السر التي تفتح الطريق نحو تحقيق مصالحة، لكن ذلك يتطلب إجراء تسوية عادلة وحل سياسي يرضي جميع الأطراف، كما يتطلب أن تكون المبادرة نابعة من حرص حقيقي من الجميع على استقرار المنطقة، وليس نتيجة ضغط خارجي أو تكيفاً مع الإدارة الجديدة في البيت الأبيض، فبناء الحوار أو المصالحة على أساس الظرف الآني الذي تفرضه الإدارة الأمريكية سيجعل الحوار هشاً وقابلاً للانهيار بمجرد تغير الإدارة الأمريكية، وهذا ما سيجعل استقرار منطقتنا برمتها ومصيرها تحت رحمة تقلبات مزاج الناخب الأمريكي!

Scroll to Top