​مع سخونة الوضع السياسي في الكويت هذه الأيام يحلو لبعض المراقبين من الخارج أن يمارسوا شيئاً من الخداع العام بالحديث السلبي عن التجربة السياسية الكويتية، محذّرين من عواقب وتبعات الديمقراطية التي لا تجلب- كما يصورونها- سوى الصراعات وعدم الاستقرار، للوصول إلى النتيجة النهائية وهي أن الديمقراطية لا تصلح لنا كعرب أو خليجيين.. والكويت خير شاهد!.

​اللافت للنظر أن غالب من يتبنى ذلك الطرح هو ممن يشيطن الربيع العربي، ويرفض المسلك الثوري، وفي الوقت نفسه يرفض العمل السياسي السلمي في إطاره البرلماني والدستوري، فهو يشيطن الديمقراطية أيضاً، مما يعني أنه ليس في ذهنه سوى نموذج الحكم الشمولي المتسلط، بل لا يجد نموذجاً يستحق التمجيد سوى نموذج الحاكم العسكري الذي يحكم بقبضة الحديد والنار، أو القائد الملهم الذي يجب على الجميع أن يدور في فلكه ويسبّح بحمده! ​

ربما يُفهم أن يأتي الاعتراض على الحالة الكويتية من قِبل أطراف تعيش وتنعم في ظلال أنظمة ديمقراطية مكتملة وراسخة، وبالتالي يكون انتقادها للتجربة الكويتية أكثر مصداقية، فقد يكون اعتراضها نابعاً من الخوف على صورة الديمقراطية، أو نابعاً من الرغبة في تطوير التجربة، لكن المضحك أن يأتي هذا الاعتراض السطحي من أطراف غير متاحة لها المشاركة في أي نوع من أنواع الانتخابات، أو حتى التعبير عن رأيها في واقعها السياسي، فهي ليست مسلوبة إرادة الاختيار فقط، بل مسلوبة حق الاعتراض أيضاً، فهي لا تنعم حتى بقشور الديمقراطية، وقابعة تحت أنظمة تسلطية، ترى أن الاعتراض السلمي مساوٍ للخروج المسلح، بل ترى أن شعوبها يجب أن تبقى تحت الوصاية الدائمة، لأنها غير جديرة بأن تُعطى حق الاختيار وغير مؤهلة لممارسة أي شكل من أشكال العمل السياسي!

الملاحظ أن هذا التحذير من النموذج الكويتي تقوده نخبة محسوبة على المثقفين والإعلاميين والكُتاب، بهدف تضليل المتابع العادي، وقطع الطريق على تفكيره بالحصول على قسط من الحرية السياسية، محاولين بذلك خلق صورة مضللة في أذهان الناس بارتباط أي هامش من الحرية السياسية، بحالة الفوضى وعدم الاستقرار، ولا شك في أن هذا الجهد المبذول لخلق تلك الصورة يصب في نهاية المطاف في صالح نموذج الحكم الفردي المتسلط الذي ينعدم فيه أي أفق للحقوق السياسية!

​ما ينبغي معرفته عن الحالة الكويتية أن الصراع فيها ليس داخل النظام الديمقراطي، وذلك لأن هذا النظام ما زال غير متوافر بشكل كامل في الكويت، بل الصراع من أجل الوصول إلى النظام الديمقراطي، وليس صراعاً من داخله، هو صراع بين أطراف تؤمن بضرورة تطوير التجربة من أجل الوصول إلى نظام ديمقراطي، وبين أطراف ترى أن الهامش المحدود من الحرية السياسية في الكويت يجب تقليصه ومحاصرته، صراع بين أطراف ترى أن المكاسب الدستورية التي تضمّنها دستور 62 هي الحد الأدني الذي لم يعد مقبولاً في هذا العصر، ويجب زيادتها، وبين أطراف ترى أن تلك المكاسب كانت غلطة تاريخية ويجب تصحيحها أو الحد من آثارها، وهذا الصراع يؤكد أن الكويت ما زالت في طور التحول الديمقراطي وليست في طور الديمقراطية المكتملة.

​التجربة الديمقراطية ليست خلطة سحرية، أو وصفة جاهزة، أو منتجاً مكتملاً، وإنما هي مسار ومخاض، عبر سلسلة من التحولات وتراكم التجارب والخبرات، وهذا يعني أن الوصول إلى الحالة الديمقراطية المكتملة يأتي عن طريق مسيرة تفاعلية، مع ضرورة إدراك عدم وجود حالة مثالية خالية من الأخطاء والعثرات، بل غالباً ما يكون ذلك سبباً في نضجها على المدى البعيد، وعند تصور التحول الديمقراطي بهذا المستوى من الإدراك تنكشف مدى سطحية الذين يحذّرون من التجربة الكويتية، أو ينتقصون منها؛ خوفاً من انتقال “عدوى” الحرية السياسية لهم.

Scroll to Top