يستفزونك ليخرجوا أسوأ مافيك، ثم يقولون: هذا أنت!

لا ياعزيزي هذا ليس أنا.. هذا ماتريدُهُ أنت!

(جورج برنارد شو)

***

يحلو لمعارضي الإصلاح السياسي رمي هذا التساؤل الاستنكاري (وتبون حكومة منتخبة؟!) عند كل ممارسة خاطئة أو انحراف سياسي يصدر من النواب أو من بعض أفراد الشعب.

يُعبّر هذا التساؤل عن نظرة إقصائية استعلائية ترى أن الكويتيين غير جديرين بنظام ديمقراطي حقيقي، ولا يستحقون أن يكونوا بحق “مصدر السلطات جميعا”، لأنهم مازالوا متخلفين من الناحية السياسية عن بقية الشعوب الديمقراطية المتحضرة! وغالبا ما يستثني صاحب التساؤل نفسه من عدم الجدارة ومن التخلف الذي يصم المجتمع به!

يستغفل هذا التساؤل العديد من الحقائق التي يُتَعمد إخفاؤها وراء ذلك التساؤل، ومن أهمها:

١- أن السلطة هي المساهم الأكبر في إخراج ورعاية نماذج من النواب أساءت للعمل البرلماني،  تلك العناصر الفاسدة تُفتح لها خزائن الدعم وأبواب الوزارات والوزراء لتوقيع المعاملات، وإعطاء الاستثناءات، وتوزيع المناصب، ومنح الترقيات.. كل ذلك بتواطؤ مع الحكومة (غير المنتخبة) لتقديم مختلف أنواع التسهيلات، وقد اعترف أحدهم في ندوته الانتخابية وأمام ناخبيه بأنه يتلقى الأموال من المتنفذين، والجهات السيادية!

٢- ما سبق يستلزم ضرورة العمل على إفساد النظام الإداري الحكومي لأجهزة الدولة، حتى يكون لتلك العناصر الدور والفضل الأكبر في تسيير أمور الناس وإنجاز مصالحهم، وفق الهامش الذي منحته لهم السلطة للتحرك فيه. 

 

٣- تقديم التسهيلات والرعاية من قِبَل السلطة تسبب في نشوء ثقافة سياسية مُشوّهة تراكمت على مدى سنوات طويلة لدى المواطنين، ووقع المجتمع ضحية لها، تلك الثقافة رسّخت لدى الجميع قناعة بأن حقوقهم المعيشية ومصالحهم الضرورية لا يمكن الحصول عليها إلا بواسطة تلك العناصر الفاسدة، التي صنعتها السلطة، ومنحتها مفاتيح تسهيل أمور الناس الضرورية، ومن خلال التسهيلات والاستثناءات الممنوحة من قبل السلطة، فهذه الثقافة ليست موجودة في الجينات الكويتية -كما يحلو للبعض تصويرها- وإنما زُرعت بفعل فاعل، بعد تهميش دولة المؤسسات، وتغييب سيادة القانون، ومبدأ تكافؤ الفرص، ليحل معيار الولاء، لا الكفاءة، ومبدأ المحسوبية، لا الاستحقاق، لتأتي الواسطة كنتيجة طبيعية لهذا التدمير الممنهج لثقافة المواطنين، والذي تنتج عنه كافة أشكال الانحرافات التي يستدل بها أعداء الإصلاح السياسي على عدم جدارة استحقاق الشعب الكويتي للديمقراطية!

٣- المخرجات النيابية، والسلوك الانتخابي العام الذي يتذمر الجميع منه -وعلى رأسهم السلطة- هو ثمرة نظام انتخابي مُشوّه وعقيم، قاتلت السلطة من أجل فرضه على الناس، وبذلت في سبيل إقراره مختلف أساليب الترغيب والترهيب، ومازالت هي المتحكم الأوحد في فرض النظام الانتخابي وتغييره، حتى تضمن أن تكون المخرجات متماشية مع أجندتها القائمة على تقسيم المجتمع، وتفتيت قواه الحية، حتى لا تتكتل أو تتجمع أو تتحالف في مشروع سياسي.

٤- يبلغ التضليل ذروته عندما تُقدَّم “النتائج” على أنها “أسباب” فما يُذكر على أنه “سبب” لعدم استحقاق الشعب للإصلاح السياسي هو في حقيقته “نتيجة” لإفساد ممنهج.. وليس سببا!

هو نتيجة لعقود طويلة من محاولات تدمير المؤسسات، وتفريغ الدستور من محتواه، وعرقلة التطور الطبيعي للديمقراطية!

هو نتيجة للانقضاض المستمر على المكتسبات الدستورية، والالتفاف الدائم على الرغبة الشعبية، وتَحيّن الفرص للتلويح بتعليق دستور الحد الأدنى!

هو نتيجة جهود حثيثة لإخراج ودعم العناصر الفاسدة ومنحها دورا مركزيا في العملية السياسية..

هو نتيجة إفساد النظام البيروقراطي للدولة، حتى تتوفر البيئة المناسبة للعناصر التي رعتها السلطة، وجعلت مصائر الناس وحاجاتها في أيديهم..

 

٥- الممارسات السياسية المنحرفة التي نشهدها لا تمت إلى الحكومة المنتخبة بصلة، حتى وإن صدرت من وزير منتخب، بل هي تنتمي لحكومة مشيخة، مُعينة لا على أساس الأغلبية البرلمانية، بل على أساس المحاصصة والترضيات، وإن سُمّيت زورا “حكومة شبه برلمانية”، فمِن التضليل نسبة أي تصرف أو حماقة منها لفكرة الحكومة المنتخبة.
الحكومة المنتخبة عنوان لمنظومة متكاملة قائمة على الفكر المشترك، الذي يُعبّر عن نفسه من خلال أحزاب أو قوائم انتخابية وطنية، والتي تتشكل وفق برامج سياسية، ثم ينتخبها الناس بناء على تلك البرامج المعلنة، لتتشكل الحكومة بعد ذلك من تلك الأغلبية، وتنفذ البرنامج الذي حاز على أغلبية الأصوات..
هذا كله لا يمت بأدنى صلة لنظامنا الحالي القائم على الفردية، والصوت الواحد، والتوزيع الفئوي للدوائر، وتشكيل الحكومة (غير منتخبة) وفق المحاصصة، ومصادمة مخرجات الانتخابات، واحتكار مايسمى بالوزارات السيادية، فالممارسات المنحرفة وليدة هذا النظام، فكيف يُتساءل بكل بلادة: وتبون حكومة منتخبة؟! لمجرد وجود وزير منتخب تم تعيينه أيضا وفق عقلية المحاصصة، وليس وفق مبدأ الأغلبية البرلمانية؟!

الديمقراطية الحقيقية هي التجسيد الصادق لمبدأ “الأمة مصدر السلطات” لكن الواقع الكويتي أن الأمة ليس لها الخيار الحقيقي في السلطات، وإنما كل ما تملكه هو هامش بسيط ومُشوّه من المشاركة المتواضعة في السلطة التشريعية فقط، ورغم ذلك يتم تحميل الشعب الجزء الأكبر من تدهور الوضع العام، ليأتي متحذلق ويتساءل: وتبون حكومة منتخبة؟!

إي نعم.. رغم كل ذلك نبي حكومة منتخبة، حتى تكف أنت وأمثالك عن طرح هذا السؤال الغبي!

Scroll to Top